site de Saber Habacha

Home
semiotique
roman
rhetorique
critique litteraire
poetique
roman
dialogue
grammaire
semantique arabe
semantique
polysemie
cognition
langue arabe
linguistics
About Me
Favorite Links
Contact Me
My Resume
linguistique
see my articles
grammaire

النحو العربيّ

"المنوال النحوي العربي" لعز الدين مجدوب

نقدُ نقدِ المحدثين للنحاة القدامى

صابر الحباشة

 

   يحتوي هذا العمل الهام الذي نقدّم، في قسمة الأول مدخلا نظريا عمد فيه المؤلّف إلى نقد مقاربات المحدثين للتراث النحوي وذلك في الباب الأول وقد خصّ عددا من الباحثين العرب المعاصرين في أمر النحو ممّن وسمت أعمالهم "التجريبية" وهي عند المؤلّف "قلّة التنظير للممارسة العملية وعدم وعي الباحث بالمسلّمات التي ينطلق منها وعدم تفكيره في ما يقتضيه التسليم بها من مستلزمات و نتائج فرعية".( ص12 )

   وهذه السمة شملت- وإن بطرق وأشكال مختلفة- إبراهيم مصطفى و مهدي المخزومي وإبراهيم أنيس أمّا تمّام حسان فشأنه آخر. ومما نستشفّه من أطروحة المؤلف أنّ الثلاثة وإن أفادوا من اللسانيات الغربية، فقد ظلّ ذلك على نحو مبتور ضمني غير صريح ولا مبتور، ومن أهم المزالق التي وقعوا فيها إمّا السقوط في ضرب من الإحيائية وذلك باعتبار المعارف النحوية القديمة متسقة مع اللسانيات معتمدين شبهة أن بعض التشاكل حاصل بين إفادات اللسانيات المعاصرة ونتائج النحو القديم. أو الوقوع في ضرب من الحكم على النحو العربي انطلاقا من الأنحاء الغربية باعتبار مسيرة الأنحاء الطبيعية جميعها أنحاء متماثلة متطابقة. ولا يخفى ما في هذا التصور من اعتباط         و تحكم. ولعلّ المحافظة على اعتبار النحو وعلوم العربية عامة ضمن فئة العلوم الوسائل أو العلوم المساعدة هو الذي رهل عملية تجديد النحو وإكسابه المنهج العصري الملائم. ذلك أن العلم المساعد مهما علا شأنه فمنتهاه أن يكون خادما ذلولا لعلم أشرف منه وآصل. ومن ثمة، فان الاحتفاظ بالسلم المعرفي القديم في ترتيب العلوم يغمط حق النحو في استشراف مكانة مستقلة، لا سبيل إلى تحصيلها إلا اعتماد منهج مستقل، فتمام حسان هو "أول اللغويين العرب في المناداة بضرورة استقلال البحث اللغوي بخصائص تميزه عن غيره من البحوث والاختصاصات" ( ص.39)

   ولكن دعوى الاستقلال لا تعني الانبتات أو الانتقاض على حصيلة المعارف        و المناهج الموروثة، بل هي تقوم على توجيهها نحو أقامة صرح موضوعي لعلم النحو في تخارج عن أحكام القيمة وما تستتبعه من أحكام إيديولوجية و أخلاقية بما يخلص العلم و يمحّضه ليكون قطاعا ابستيمولوجيا خالصا. على أن هذا الدعوى ينبغي- فيما نرى- ألا تشوبها شائبة لوضعية، والا فالأحرى أن ينظر إلى العلم حصيلة وآفاقا في رحاب بيئته و أوضاعه الوجودية المقررة دون استصفاء مثالي ولا عزل غبر مبرر علميا ( أي لا تستدعيه ضرورة المنهج الاختباري في العلوم). أما تمام حسان فذو بديل يقطع مع المنهج التقليدي التراتبي ويصبو إلى تخليص النحو من خدمة علوم أخرى،    و يرى في ذلك مناجاة له من أواصر توثقه ووشائج تقيده بعلوم أخرى متحكمة.

  ورغم هذه الجدة المنهجية ( المتمثلة في اعتماد المنهج الوصفي لا المقارنيّ في النحو)   و النهوض الفكري ( الدعوة إلى الاستقلال منهج النحو)، فان تمام حسان في نظر عز الدين مجدوب يظل مثبتا مواصلا لمدرسة التيسير لإبراهيم مصطفى وأتباعه وان أوهمت مآخذه على بعهم بخلاف ذلك (ص43).   وأهم ما يخلص إليه المؤلف في خاتمة الباب الأزل، أن الضعف المركزي في أعمال تمام حسان سببه "عدم الانتفاع من تمييز ابستيمولوجيي في النظرية العلمية بين الفرضيات العامة و المناولات" (ص 48 -47 ) وينتقل عز الدين مجدوب في الباب الثاني إلى تفصيل القول في الفرضيات العامة       و المناولات بما هما مستويا النظرية العلمية متخذا لويس هيلمسليف ( Louis Hjelmslev) اللساني الدانماركي مستندا مرجعيا وقد أقام تمييزا بين "نظرية       و مبرهنات من ناحية و فرضيات ( من بينهما القوانين العلمية) من جهة أخرى" (ص57 ). ويشير المؤلف إلى أهمية هذا التمييز قائلا: "فضرورة صياغة منوالات إجرائية تستمد شرعيتها من تلك الفرضيات السابقة تمثّل في ظننا خاصية من أهم الخصائص التي تميز مولد العلم الحديث أن العلوم الحديثة بداية بالعلوم التجريبية"(ص58 ).

  ويرى المؤلف أن اعتماد كل من الفرضيات والمناولات ناجع لفهم أفضل لتاريخ اللسانيات و هو يعيد صياغة مآخذ اللسانيين الغربيين على تراثهم اللغوي، ثم انه يفصل بحسم فيقرر إشكالية الأطروحة بوضوح: "ما هي قيمة المنوال النحوي العربي المتعلق بالجانب الآتي بالمقاربة مع المقولات النحوية التي أحدثتها اللسانيات؟" (ص62)

   وتمثل لسانيات دي سوسيرلا النسق الذي تجاوز النحاة القدامى الأوروبيين-حسب المؤلف- وبما أن كتاب دي سوسير انما هو حصيلة تقييدات طلبته إذ لم يكن محررا من قبل صاحبه بل نشر بعد وفاته، فانه بدا مشتتا غير واضح الفرضيات، لذلك ينصح عز الدين مجدوب القارئ المهتم" بضرورة الانطلاق من مفهوم القيمة لفهم الفرضيات السوسيرية دون متابعة الترتيب لذي عليه فصول الكتاب" (ص73) وبعد أن حلل المؤلف الأهمية العرفية لمفهوم القيمة وقف على حدود الصياغة السوسيرية ولعل أهم تلك الحدود' أنه لم يصغ منوالا إجرائيا يوضح كيفية تعيين وحدات وجهي العلامة اللغوية" (ص84 الهامش 1 ).

 

 

الجملة و تقطيع النص

  وفي القسم الثاني، اهتم الباحث بإيراد دعاوى المحدثين المتعلقة بالجملة و مؤاخذتهم النحاة القدامى في تصورهم وفي تطبيقاتهم النحوية عليها من ذلك أن من المحدثين من ذهب إلى أن المنوال النحوي الذي سار عليه النحاة القدامى غير مطابق لمعطيات اللسان العربي، وتعرض الباحث إلى مسائل متفرعة عن هذا المبحث فتحدث عن تعريف الجملة وعن نواتها وعن أصنافها. وبعد إيراد هذه الدعاوى و غيرها تولى الباحث أمر مناقشة المحدثين متخذا منهج هيلمسليف حجة ونبراسا وأعاد على أساسه صياغة مآخذ هؤلاء.

  فحجج إبراهيم مصطفى مثلا تتمثل في القول بفساد تعريف النحاة العرب للنحو إذ قصروه على الكلم المفردة وإذا قصروه على دراسة أواخر الكلم. فمثل هذا التعريف يغض الطرف عن التركيب من جهة وعن وجود ألسنة كثيرة لا إعراب فيها، بما يجعل التعريف التراثي للنحو غير ملائم.ويناقش الباحث هذه الحجج مستندا إلى المراجع التي اتخذها إبراهيم مصطفى منطلقا لمحاكمة النحاة القدماء، مجرحا في اختيارها إذ هي كتب تعليمية لا يمكن الاطمئنان إليها في المناقشات النظرية لماهية العلم، ثم إنها ليست ممتثلة للتفكير النحوي القديم. وقد عاد الباحث إلى المؤلفات الممثلة حقا للتفكير النحوي القديم، فأورد مقاطع و نماذج مما حوته من أدلة على اعتناء النحاة القدامى بالتركيب وعدم اكتفائهم بالكلمة المفردة، واستشهد بالزمخشري صاحب " المفصل" (ص 134) ورجع إلى الرضي الاستراباذي في شرح الكافية" لابن الحاجب (ص135) وقفّى على ذلك بإلمامة بكتاب سيبويه (ص136). كما فند الباحث دعوى المحدثين أن الإعراب ظاهرة لفظية شكلية، فبين بالاستناد إلى ثراء التراث في حد الأعراب، فقد اختلف النحاة القدماء ورأى أغلبهم أنه "اللبانة عن المعاني باختلاف أواخر الكلم لتعاقب العوامل في أولها"( ابن يعيش، شرح المفصل، ج1، ص72) فالإعراب كما يستنتج الباحث "معنى يستوجبه تركيب الكلم على كلم أخرى هي عواملها وفق قوانين كلية"( ص 143 ).

  وينتقل الباحث إلى مبحث أخر عليق بالنحو يتمثل في ما سماه "إجراءات تقطيع النص اللغوي هي مفتاح تأويل المصطلحات النحوية العربية" (ص145) معتمدا على مسلمة تقول بأن مباشرة النحاة للنصوص هي التي توقفنا بتقطيعها، توقفنا على بداية خضوع "الحدثان ( Processus) إلى نظام ( Système) ويعتبر الباحث أنه من الأسلم تجنب الانطلاق من المصطلحات للفوات الحاصل بين منظومة القدماء     و منظومتنا، فما نظنه تشابها قد يكون تناقضا وما نراه تباعدا قد يكون تقاربا، فالاشتباه الاصطلاحي لا يمكن الفكاك منه إلا بمباشرة طرائق تعامل النحاة مع النصوص، وقد تناول الباحث باب الفصل و الوصل منطلقا من شواهد أدبية وقرآنية مرجعا الباب-وقد اشتهر باندراجه في البلاغة- إلى النحو، ومتوقفا عند حضوره في "كتاب" سيبويه، منتهيا إلى اعتبار الاعتراض إن هو "إلا تفريغ على الاستئناف النحوي" (ص148) وان كان له معنى بياني "نبه له صاحب المعني (ابن هشام) "( ص 159). ويتتبع الباحث بعد ذلك في مبحث سادس مصطلح الجملة من سيبويه إلى المبرد إلى الزجاجي وأبي علي الفارسي إلى الزمخشري وابن يعيش إلى ابن الحاجب     و الإستراباذي مشيرا إلى تعالقه بمصطلح الكلام عند أغلب النحاة. وأعاد المؤلّف صياغة مآخذ المحدثين على النحاة القدامى، مستندا إلى النموذج النظري الذي تبناه من نظرية هيلمسليف: فأسس دعاوى المحدثين على قولهم بعدم مراعاة النحاة العرب "تضامن التعبير و المضمون عند بناء منوال الإعراب" واقتصارهم على مراعاة صعيد التعبير فحسب.

وقد ناقض هذه الدعوى مناقضة جزئية وعد باستتمامها فيما يلي من البحث بأن يبين أن "إجراءات تقطيع النص شاهد أول على مراعاة ( النحاة) القدماء للوظيفة السيميائية عند وضع منوالهم" (ص 168 ) وقد أشار في هذا الصدد إلى بعض مباحث النحاة في الضمير العائد و البلاغيين في الوصل و الفصل.

أقسام الكلم:

   عرض المجدوب في هذا القسم إلى اتجاه عدد من الباحثين العرب المعاصرين إلى القول بتأثر النحو العربي بالمنطق الإغريقي وهم في ذلك يرددون غالبا أطروحات بعض المستشرقين: ويستدل هؤلاء على قولهم بالتأثر بالتقسيم الثلاثي للكلم: اسم    و فعل و حرف.

  وقد تولى المحدثون نقد التقسيم الثلاثي للكلم، واقترح أغلبهم تقسيمات أكثر تفريعا، فمنهم من أضاف قسم الضمير مثلما فعل صاحب "أسرار اللغة" (إبراهيم أنيس) أما مهدي المخزومي فقد زاد قسم الكنايات وهي ما يقابل قسم الضمير عند أنيس الذي اعتبره الباحث "مقتفيا أثر برجشتراس" (ص 187 ) وهو مستشرق ألماني ألقى محاضرات بالجامعة المصرية القديمة سنة 1929 و نشرها رمضان عبد التواب بعنوان "التطور النحوي للغة العربية، القاهرة، 1982.

  أما تمام حسان، فقد اعتمد في مرحلة أولى تقسيما رباعيا على غرار أنيس ولكنه ما فتئ أن تركه إلى تقسيم سباعي: (الاسم- الصفة- الضمير- الخوالف- الظرف- الأداة).

وآخر من عرض لهم الباحث من المحدثين هو عبد الرحمان أيوب، وهذا الأخير لم يجترح تقسيما مخالفا للتقسيم الثلاثي المعهود وان كان قد أرجعه بوضوح إلى أصول فلسفية إغريقية (أفلاطون).

   وفي فقرة موالية، رتب المجدوب أقوال المحدثين في ثلاثة محاور:

1-  محور تاريخي يبين فيه أن نسبة التأثر بالمنطق الإغريقي إلى النحاة العرب إنما مرده اندهاش المستشرقين (نحو فلايش و ماركس Merx) بسرعة اكتماله ( مع الخليل و سيبويه).

  ولم يفصل الباحث في أمر التأثر و التأثير بل خرج إلى مسألة تطور العلاقة بين اللسانيات و المنطق من التخارج إلى التداخل. وهذا ما يترجم في نظرنا قول المؤلف "وليس من الغريب أن يراجع علم اللسانيات من جديد علاقته بالمنطق ويقبل به من جديد مساعدا للدراسة اللغوية على شروح محددة" (ص 207 – 206 ).

وهذا يعتبر إجابة ضمنية ايجابية عن قبول التأثر و التأثير بين نحو عربي ناشئ ومنطق إغريقي راسخ، دون تعرية النحو العربي من أصالته. فكان الباحث ضمنيا يقبل لا البحث في ذات التأثر ، بل في حدوده.

محجور لغوي عام يتعلق بالأسس "العامة الواجب اتباعها لإقامة تبويب للكلم ملائم للسان العربي ولعامة الألسنة البشرية" (ص205). وقد أرجع المؤلف أقوال المحدثين في هذا المحور إلى مواقف ثلاثة:

أ‌-      موقف إبراهيم مصطفى و مهدي المخزومي اللذين يعتمدان المعنى لا اللفظ.

ب‌- موقف عبد الرحمان أيوب وقد قال "بالاعتماد على الخصائص الشكلية عوض دلالة الألفاظ في تبويب الكلمات في العربية" (ص208 ) وهذا القول قريب من تسليم الباحث النظري " بأولوية العلاقات في تحديد الكيانات اللغوية".

ج- موقف إبراهيم أنيس و تمام حسان القائلين باعتماد مقاييس ترجع إلى الشكل و المعنى معا.

3- محور لغوي أخص يتعلق بتعريف الأقسام و توزيع الوحدات اللغوية بينها وهو محور ذو طابع إجرائي.

وقد خلص الباحث إلى استنتاج أن أهم أقوال المحدثين تذهب إلى اعتبار أن التقسيم الثلاثي (اسم، فعل، حرف) لا يلائم شكل المضمون للسان العرب، نظرا إلى أن حدود النحاة القدامى المعتمدة في التقسيم لم تكن جامعة ولا مانعة، ونظرا إلى أن المحدثين قد ابتكروا أصنافا أخرى "أقرب إلى شكل المضمون في اللسان العربي" فيما يرى الباحث.

   وقد تصدى المجدوب لنقد المحدثين للتراث النحوي بأن بين:

-    أن ما اعتمدوا عليه من نصوص التراث يعد غير ممثل له حق التمثيل إذ لم يعودوا إلى الأصول المؤسسة، بل إن كتب المتأخرين، وقد تساهل بعضهم في الرواية بالمعنى دون التقيد بدقائق اللفظ .

-         وأن تلك الحدود قد نجمت عن تأثر النحو العربي بالمنطق اليوناني في القرنين الثالث و الرابع للهجرة.

-         وأن حجج المحدثين قد سبقهم إليها القدماء.

وقد تولى الباحث اثر ذلك استبعاد التسوية بين ثنائية المعنى و المبنى عند تمام حسان وثنائية التعبير و المضمون عند هيلمسليف.  

  وقد بدا موقف المجدوب النقدي من كل من المحدثين و هيلمسليف، عندما وقف على عدم كفاية مبدأ تجانس الإمكانيات التوليفية (هيلمسليف) وتجنب التعريف بالمعنى (تمام حسان) لإقامة تعاريف جامعة مانعة لأقسام الكلام، وقد استند الباحث في هذا النقد المزدوج إلى النحاة المؤسسين (سيبويه و المبرد والزجاجي) وقد استنتج انطلاقا من هؤلاء أن " النحاة العرب رتبوا المقاييس الشكلية ترتيبا تفاضليا، ووضعوها في منازل مختلفة، وبوأوا الوظائف أعلاها رتبة" (ص 232 ).

  وتقصى الباحث في هذا النطاق تعاريف القدامى لأقسام الكلام القائمة على تمييز الوظيفة وذلك بتأسيس على مقولة الإسناد .

  واختتم المجدوب القسم الثالث ينقد المراجع النظرية التي اعتمدها تمام حسان، فتبنى حكما أطلقه جون ليونس ( Lyons John)  على النظرية السياقية للمعنى التي يقول بها فيرث ( Firth) ( وأخذها عنه تمام حسان) – لا يعتبر تلك النظرية كاملة في علم الدلالة. (ص 249 في الهامش).

الوظائف النحوية:

   وقد بدأ فيه بعرض نقد المحدثين لنظرية الإعراب المتعمد على حجج ذات طابع لغوي. واستهل ذلك إبراهيم أنيس مرة أخرى وقد أحيا رأي قطرب القائل بعدم الحاجة إلى الحركات الإعرابية لتمييز المعاني أما إبراهيم مصطفى، فقد اعتمد المعنى في تصنيف الوظائف النحوية ونقد تصنيف القدامى لبعضها. وقد قرر أن الرفع علم الإسناد وأن الجرّ علَم الإضافة وأنّ الفتحة ليست بعلَم على إعراب ، وقد أخرج مصطفى النعت السببيّ من الوظائف النحوية مثلما أخرج العطف من طائفة التوابع . وعلى نهجه واصل مهدي المخزومي "دراسة الفعل وفق أصول صاحب "إحياء النحو""(ص261 ) وقد جعل بغيته في أعماله "سلب العامل النحوي قدرته على العمل وتخليص الدرس النحوي منه" ("في النحو العربي نقد و توجيه" ص16 ).

  أما عبد الرحمان أيوب، فقد لاحظ عدم اطّراد مبدأ اختلاف العلامة الإعرابية باختلاف الدلالة كما قرر "عدم وجود تلازم بين وجود العلامة الإعرابية وبين الحاجة لتمييز المعاني التركيبية المختلفة" ("دراسات نقدية في النحو العربي" ص30 ).وقد نقد أيوب ربط الإعراب و البناء بالوظيفة في الجملة، ورأى أنهما يتعلقان باللفظ في حد ذاته. ثم انه نقد القدامى إذ خلطوا، في رأيه، بين الإعراب و الموقع الإعرابي(ص 265 ).

  أما تمام حسان، فقد اعتبر أن نظرية العامل "دخيلة على البحث اللغوي" ونقد القدماء بأن قرر أن العامل النحوي لا يوضح إلا قرينة واحدة لفظية هي قرينة الإعراب وهو بذلك "يردد قول إبراهيم مصطفى إنّ النحاة اتجهوا في دراسة النحو دراسة لفظية ز أهملوا المعنى" (ص 272) .

  وقد عني الباحث بعد عرض هذه الحجج ذات الطابع اللغوي، بعرض حجج المحدثين ذات الطابع الابستيمولوجي، في نقودهم لنظرية العامل إذ نسبوا هذه النظرية إلى التأثر بالمنطق اليوناني، فضلا عما بدا لهم من اكراهات عملية ومضايق وقع فيها القدامى من جراء التقدير و الإكثار منه.

  وبعد أنّ أعاد المجدوب صياغة طعون المحدثين في الإعراب استدل على أن علامات الإعراب من ثوابت المضمون لا من ثوابت التعبير محيلا على صاحب "شرح الكافية".

  واستخلص الباحث أنّ نقد المحدثين للإعراب ينبني على تصوّر حدسي لكلمة معنى يفترض "أن اختلاف الحركات الإعرابية ينبغي أن يقترن به نفس العدد من الوظائف النحوية"( ص293 ) ويقترح المجدوب التخلي عن هذا التأويل الحدسي للمعنى إلى تحميله معنى تركيبيا خالصا فيكون الرفع للعمد و النصب و الجر للفضلات. ثم فحص الباحث الاعتراضات الابستيمولوجية على نظام العوامل، فاستند إلى ثنائية اللسان و الكلام مبينا أن التمييز بينهما – وقد غاب عن المحدثين – جعل هؤلاء يؤاخذون النحاة برفضهم بعض الأقوال المروية عن عرب ثقاة         و تخطئتهم بعض فحول الشعراء: وهذا التمييز بين مجال العلم و موضوعه يطابق تمييز ليونس بين الصحة النحوية (اللسان) و المقبولية (الكلام).

  وقد فند الباحث حجة المحدثين الثانية القائلة بتشريع النحاة لأساليب رديئة ويعنون التقدير الصناعي كإرجاع (زيدا رأيته) إلى ( رأيت زيدا رأيته)، وذلك التفنيد تم بأن أشار الباحث إلى أن شرط المناولات أن تتكهن بالوقائع التي تفسرها لا أن تتماهى اللغة الواصفة و اللغة الموصوفة وهذا ما افترضه المحدثون خطأ.

  وأكد الباحث انغراس تلازم المسند و المسند إليه في المنوال النحوي لكونه "ضربا من ضروب العلاقات الممكنة نظريا بن العناصر"(ص 303) مما ينفي قطعيا اندراجها في باب التأملات الفلسفية الواهمة.

  كما ألح على مبدأ التراتب و الهرمية في المنوال النحوي مشيرا إلى غلط المحدثين في تسويتهم بين شكلي الجملة الفعلي و الاسمي فقد بين الاستراباذي أن المطابقة في العدد معدومة في الجملة الفعلية بين الفعل و الفاعل في حالتي التثني و الجمع (ضرب زيد – ضرب زيدان – ضرب الزيدون)، في حين أنها موجودة في الجملة الاسمية بين المبتدأ و الخبر (زيد ضرب- الزيدان ضربا- الزيدون ضربوا).

  أما الجرجاني فيستدل على نفس الظاهرة بحجة أخرى تتمثل في إجراء استبدال يتمثل في إدخال ناسخ حرفي على الجملة الاسمية، فيأخذ زيد محل النصب، في حين أن يمتنع دخول الناسخ على الجملة الفعلية.

  ثم طفق الباحث يحتج لاستساغة المنوال النحوي العربي للحذف و التقدير، على خلاف رأي أكثر المحدثين، فعاد إلى أمثلة أوردها النحاة القدامى من القرآن        و الشعر، فيها اختزال لأحد ركني الجملة الفعلية أو الاسمية أو اختزال رأس المركبات البيانية (التوابع).

  ويخلص الباحث إلى الانسجام بين قوله – اعتمادا على البنية اللغوية التي يرتكز عليها بتضامن صعيدي التعبير و المضمون و باستقلال القوانين المسيرة لائتلاف العناصر استقلالا نسبيا ضمن المستويات المتعددة لطرفي الوظيفة السيميائية (ص 232 ).

  وقد انتقد الباحث في خلاصة القسم الرابع للمحدثين وعلى رأسهم تمام حسان. بغموض مصطلح "المبنى" عنده كما آخذه بالفصل الباتّ الذي أقامه بين مجموعة المباني في النظام النحوي.

الوحدة الدنيا الدالة:

  يستعرض الباحث في هذا القسم الأخير شواهد على صحة الفرضية التي يقول بها وهي التزام النحاة القدامى "تضامن صعيدي التعبير و  المضمون في تفكيك اللفظ المركب إلى وحداته الدالة الدنيا" (ص-331 )، وتتمثل الشواهد في لام التعريف و التأنيث والتذكير والتثنية و الجمع، وفي باب التثنية، فرق القدامى بين تثنية معنوية (في كلمة "كلا") وتثنية لفظية (في كلمتي "أبانين" و"عمايتين"، وهما اسمان لجبلين) وقد قيدوا التثنية بكونها"لا تصح إلا فيما أمكن تنكيره" (ص 3365 ).

  كما نظر المجدوب في المتون المهتمة بالصرف، فوجد أن في مبحثي النسبة         و التصغير، شواهد دالة على"حسن تعيين الوحدات الدالة الدنيا في اللسان العربي" (ص337 ).

  ثم ينتقل الباحث إلى لابن جني من "الخصائص" يميز فيه بين الدلالة اللفظية (المعجمية) والدلالة الصناعية (معنى الوزن أو الصيغة) والدلالة المعنوية (مثل دلالة الفعل على الفاعل).

   إثر ذلك أنهى الباحث هذه القسم الموجز بتدقيق مصطلح كلمة و بتحديد مجال التصريف و الإعراب.

  وانتهى الأستاذ المجدوب في خاتمة الأطروحة إلى وضعها موضعها في مساق البحث الأكاديمي من حيث نظرتها إلى التراث النحوي نظرة" تدرجه ضمن تطور علم اللسانيات "(ص361 ). وقد لخّص الباحث أهمّ سبل الانتفاع بهذا العمل في:

-         تدقيق الشبكة الاصطلاحية للمنوال النحوي العربي.

-         إعادة صياغة المنوال النحوي و تعقيد مكوناته و مضاعفة مستوياته.   

Enter supporting content here

هذا موقع صابر الحباشة